معركة اللطرون: صمودٌ أسطوريٌّ ورمزٌ للكرامة العربية

 معركةٌ حاسمةٌ في تاريخ الصراع العربيّ الإسرائيليّ

جنود من الجيش العربي على سطح قلعة اللطرون عام 1984

جنود من الجيش العربي على سطح قلعة اللطرون عام 1984


تُعدّ معركة اللطرون، التي وقعت عام 1948، علامةً فارقةً في تاريخ الصراع العربيّ الإسرائيليّ. فقد تمكّن الجيش العربيّ الأردنيّ، بقيادة الملك عبد الله الأول، من هزيمة القوات الإسرائيلية في معركةٍ ضاريةٍ استمرت 23 يومًا.

موقعٌ استراتيجيٌّ:

خريطة تبين موقع قرية اللطرون

تقع اللطرون على طريقٍ رئيسيٍّ يربط بين الساحل الفلسطينيّ والقدس، ممّا يمنحها أهميةً استراتيجيةً كبيرةً. وقد حاولت القوات الإسرائيلية الاستيلاء على هذه المنطقة لفتح طريقها نحو القدس، لكنّ صمود الجيش العربيّ الأردنيّ أحبط مخططاتها.

تعتبر طريق اللطرون الطريق الوحيد الذي يستطيع العدو الصهيوني الوصول من خلاله إلى مدينة القدس، ويؤكد ذلك ما قاله بن غورين في مذكراته الشخصية، حيث قال: "إن مصير معركتنا في الوصول إلى القدس يتوقف على نتيجة القتال مع الجيش الأردني المسيطر على تلك الطريق، فإما أن نخترقه وإما أن نفشل"

أبطالٌ سطّروا ملحمةً:

برز دور الكتيبة الرابعة الأردنية ب1200 جندي ، بقيادة النقيب حابس المجالي، في هذه المعركة. فقد أبدى جنودها شجاعةً وبسالةً منقطعة النظير، ودافعوا عن اللطرون بكلّ ما أوتوا من قوّة.

معركةٌ غير متكافئة:

واجهت الكتيبة الرابعة جيشًا إسرائيليًا متفوقًا في العدد والعدة. ورغم ذلك، فقد تمكّنت من الصمود وكسر هجماته المتكرّرة.

في صباح يوم 15/5/1948 شنّت القوات الإسرائيلية "البلماخ" عالية التدريب والتجهيز والبالغ عددها 6500 جندي مزودين بأحدث الأسلحة والتجهيزات العسكرية في ذلك الوقت، هجوما كاسحا على مواقع الكتيبة 4. حيث دار قتال شرس بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وأفراد الكتيبة الرابعة الأردنية

استمر ذلك القتال عدة أيام وليال، ولم تتمكن قوات العدو من تحقيق أي اختراق لأي موقع من مواقع الكتيبة، حيث تكبدت قواته خلال هذه المواجهات خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات مما اضطرّها لإيقاف التقدم و إعادة بناء خطتها العسكرية

قرر العدو ضرب حصار على مواقع الكتيبة الرابعة لإنهاك وتحطيم معنويات الجنود وقطع كافة وسائل الدعم والتزويد والتعويض عنهم، مع محاولات متعددة للتقدم من خلال أي موقع يصاب بالانهيار أو التقهقر، غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل

راهن العدو على استنزاف معنويات أفراد الكتيبة الرابعة من خلال استخدام قوة نار عالية تستوجب الرد بالمثل من أفراد الكتيبة الرابعة؛ بهدف إنفاد ذخيرة الكتيبة وضمان عدم التعويض بسبب الحصار المفروض على محيط الكتيبة كاملا، بالإضافة إلى إنفاد معنويات أفراد الكتيبة

استمر العدو الإسرائيلي بتنفيذ تلك الاستراتيجية 10 أيام متواصلة بحصيلة زادت عن 1000 قتيل من جانبه، حيث يطلق عليها العدو الصهيوني اسم مجزرة اللطرون

مقابر قتلى الاحتلال الإسرائيلي في معركة اللطرون

حصارٌ خانقٌ:

حاولت القوات الإسرائيلية كسر إرادة الجيش العربيّ الأردنيّ من خلال فرض حصارٍ خانقٍ على اللطرون. لكنّ صمود الجنود الأردنيين ورفضهم الاستسلام كان أقوى من كلّ التحدّيات.

خطةٌ ذكيةٌ:

عندما نفدت الذخيرة، ابتكر النقيب حابس المجالي خطةً ذكيةً لرفع معنويات جنوده. فقد قام بعدّ الطلقات المتبقية في مسدسه، وأعلن أنه سيُطلق النار على نفسه إذا ما تمكّن العدوّ من اختراق دفاعاتهم.

اجتمع القائد النقيب حابس مع جنوده وضباطه وأطلعهم على حقيقة الموقف، ووقف أمامهم جميعا مخرجا مسدسه من على جنبه ورفعه بيده وأخرج مخزن الذخيرة خاصته وقال: "يا نشامى؛ تعرفون أنه لا يمكن تعويض الذخيرة التي استهلكت في قتال العدو على مدى 10 أيام بسبب الحصار، وأنا لم يبق لي في مسدسي إلا 6 طلقات"، وقام بعدّها أمام أعين جنده، "يا نشامى أريد منكم الآن عدّ الطلقات التي بقيت مع كل واحد منكم"، وبالفعل بدأ الجنود والضباط بعد الطلقات الخاصة بكل واحد منهم، وبعد أن انتهوا من عدّها تابع النقيب حابس كلماته قائلا: "اسمعوني زين، ترى إذا العدو اخترقنا راحت القدس، واحنا إذا راحت القدس حرام العيش علينا بعدها، أنا أخذت قراري إنه ما يمر العدو إلا على جثتي، وهاي 5 طلقات في مسدسي والسادسة بجيبتي، رايح أقاتل هؤلاء الأعداء حتى تخلص الخمس طلقات وحينها أضع الطلقة السادسة في مسدسي وأطلقها على رأسي، ولن أقع أسيرا بيد هؤلاء الصهاينة".

في تلك اللحظة الحاسمة صاح جميع الجنود وبصوت واحد كلنا فدى القدس كلنا فدى القدس سيدي، وفعلوا نفس ما فعل قائدهم حابس المجالي و صاحوا بصوت واحد: "ما احلى الموت لأجل القدس.. يا ما احلى الموت لأجل القدس


مفاوضاتٌ ورفضٌ:

حاولت القوات الإسرائيلية عقد هدنةٍ مع الجيش العربيّ الأردنيّ، لكنّ النقيب حابس المجالي رفض ذلك، مؤكّدًا على أنّ القدس لا تُستردّ إلاّ بالقتال.

تقديرٌ ملكيٌّ:

أثنى الملك عبد الله الأول على شجاعة الجيش العربيّ الأردنيّ في معركة اللطرون، ومنح الكتيبة الرابعة لقب "الكتيبة الرابحة".

وكانت كل تلك الأخبار والمعلومات قد وصلت إلى الملك عبدالله الأول، فقرر زيارة جنود الكتيبة الرابعة ويسلم عليهم ويطمئن على أحوالهم بعد هذه الملحمة من القتال والصمود، فنصحه كلوب أن يؤجل الزيارة حت تستقر الأوضاع أمنيا، إلا أنه رفض وأصرّ على القيام بتلك الزيارة على الفور"

وبالفعل قام الملك عبدالله الأول بزيارة الكتيبة في منطقة اللطرون، وأثنى على قائدها وجنودها وقال لهم العبارة الخالدة والمشهورة حتى هذه اللحظة: "أنتم يا نشامى منذ الآن لستم الكتيبة الرابعة، بل أنتم الكتيبة الرابحة"

وعندما همّ الملك عبدالله الأول بالمغادرة وقف مودعا للقائد النقيب حابس المجالي وطلب منه أن يسمعه أبيات الشعر التي رد بها طلب كلوب باشا بقبول الهدنة، فقال

"ما اريد أنا هدنةً يا كلوب.. خل البواريد رجاده

بيوم قيظ بحر الشوب.. والنار بالجو وقّاده

خلهم يحسبوا لنا محسوب.. إنّا على الموت وراده

صهيون اترك لنا المغصوب.. وابعد عن القدس وبلاده

رمزٌ للكرامة العربية:

تُعدّ معركة اللطرون رمزًا للكرامة العربية والصمود في وجه الظلم. وقد ألهمت هذه المعركة الأجيال العربية على مدار عقودٍ من الزمن.

باليفوربوك

تعد طريقة لوريم إيبسوم أداة مفيدة لتحسين مظهر الصفحة. فهي تجذب انتباه القارئ وتجعله يركز على المحتوى، كما أنها تجعل الصفحة تبدو أكثر احترافية وواقعية.




تعليقات